Sunday, September 13, 2009

أوجه الشبه والاختلاف بين القاهرة وأوسلو في معرض صور


الثلاثاء, 30 يونيو 2009
القاهرة - ياسر سلطان

ثلاثون درجة، هو عدد خطوط العرض الفاصلة بين مدينتي القاهرة وأوسلو. لكن المسافة بين المدينتين تتخذ أبعاداً أخرى، قد تتضاءل أحياناً لترسم لنفسها مسارات مشتركة ومتشابهة على نحو ما. وفي أحيان أخرى تتسع وتتباعد ليبدو الأمر وكأنه حدّ فاصل بين عالمين مختلفين.

صورة فوتوغرافية لطفلة صغيرة وحيدة تلهو وسط مساحة فارغة تنتمي إلى واحدة من عشوائيات القاهرة. في مشهد مجاور ثمة طفلة أخرى في العمر نفسه تقريباً، الحركات نفسها، وكذلك الرغبة في اللعب والتحليق إلى أعلى، تلهو وسط مساحة في قلب مدينة أوسلو. ومشهد آخر تم التقاطه بعدسة الكاميرا لكلمة مكتوبة بحروف كبيرة على جدران المدينة نفسها – ارحل – هل هي موجهة إلى هؤلاء النازحين من أوطانهم الباحثين عن فضاءات أخرى أكثر حنواً عليهم من بلادهم؟ كلمة صغيرة، لكنها تختصر مساحة شاسعة بين عالمين، لا يدري الفنان حمدي رضا سوى أنها أصابته بنوع من الرهبة والخوف من الآخر. كلمة حركت في داخله خليطاً من المشاعر ودفعته إلى التقاطها بعدسة الكاميرا وعرضها إلى جوار صور الطفلتين التي تمثل جزءاً من مشروعه مع الفنان النرويجي بيكا باريسون، لتسجيل انطباعاتهما عن مدينتي القاهرة وأوسلو في معرض صور يستضيفه «مركز الجزيرة للفنون» في القاهرة تحت عنوان «30 درجة». ويضم إلى جانب المجموعة الكبيرة من الصور الفوتوغرافية عروضاً للفيديو تجمع مشاهد من مصر والنرويج.

عندما تشاهد الأعمال داخل القاعة، تحاول بطريقة لاإرادية تصنيفها وتوزيعها على المدينتين. لكن سرعان ما تكتشف أن الأمر يبدو صعباً في بعض الأحيان. فالمسافة الفاصلة قد تضيق على نحو غير متوقع، الوجوه تتقارب، النظرات التائهة تتشابك. الكائنات البشرية نفسها المفعمة بالأمل والغبطة والشرود والإحباط. تتشابه الأماكن أيضاً، تعلو وتيرة الاختلاف وتنخفض في شكل مربك. وممّا يزيد الأمر حيرة، لجوء رضا وباريسون إلى الإمعان في إحداث ذلك التشابك بين الصور في ضفيرة واحدة، لخلق مشهد مشترك بطريقة «الكولاج» وهو ما يلخص الهدف من المشروع بشكل عملي.

يقول باريسون: «بدأ هذا المشروع عام 2007 حين زرت القاهرة لأعرض أعمالي. وعلى رغم الاختلافات الواضحة بين بيئاتنا في كل من القاهرة وأوسلو، إلا أن حوارنا تركز على التشابهات. كان ذلك بالنسبة لنا بمثابة مسار طبيعي لمحاولة فهم أحدنا الآخر، فإدراك التباينات بيننا أمر يسير للغاية كما لو أن الأجوبة قد كتبت سلفاً». ويضيف: «كلنا نرتحل هرباً من روتيننا اليومي بالطريقة نفسها. فنحن نشترك في أرضية سلالية واحدة ولدينا الحاجات والأحلام نفسها، وبوسعنا تلمس الأمان، ذلك المرادف الآخر للسعادة في صحبة مشابهين لنا في الفكر، وكذلك الغايات ذاتها التي لا يمكن تحديدها بالتقصي البسيط». ويشير الى أنه «علينا أن نقر بأن الفراغ والوحشة هما من المكونات الطبيعية والمؤكدة للحياة، وبسؤالنا عمن بوسعنا الحديث معه، ومن الذي سيفهمنا؟ فالإجابة تتمثل في شخص ما من الجانب الآخر من الكوكب. فليس ثمة ضمان بأن بيئتك المحلية ستزودك بالأجوبة إلا إذا قمت بالسعي والكشف عن تلك الأجوبة في مكان آخر». ويستطرد قائلاً‍: «لذا قمت في المقابل بدعوة حمدي للمجيء إلى أوسلو لننطلق معاً في حوار بصري حول أن يكون كلانا في القاهرة وفي أوسلو في الوقت نفسه».

ويعتبر حمدي رضا أن الإنسان «لا يستطيع أن يرى ذاته من دون مشاهدة الآخر». ويشرح أن المشروع هو مجرد تساؤل عن التشابهات والاختلافات، عن الهوية وانعكاساتها. فمن خلال الحوار المفتوح الذي أقمته مع شريكي بيكا باريسون، أعني بالمفتوح هنا البعيد كل البعد عن أي حدود حتى حدود المشروع كعمل فني، تمكنا من الاستعاضة عن تسميته حواراً بتسميته تجريب حياتنا والتفاعل مع المناخ المحيط بهاتين المدينتين المتباعدتين، القاهرة وأوسلو».

ويضيف: «مضينا قدماً من خلال ذلك الطريق الطويل بين المدينتين.. قضاء الوقت هنا وهناك، ومتابعة اختبار أساليب الحياة المختلفة مع إعادة مشاهدة شريط الذاكرة للقاهرة. هذه المدينة التي نشأت فيها وكانت كل العالم بالنسبة لي قبل أن أرى غيرها. وأضحت كل الحياة بعد خروجي منها إلى فضاءات ومدن كثيرة أخرى. ومن خلال التقاط الصور الفوتوغرافية هنا وهناك، وبعد العمل على مدار العام قمت باختيار مجموعتي التي أشارك فيها في هذا المشروع. وكان الاختيار على أساس الفعل ورد الفعل توازياً لما أنتجه باريسون من خلال هذا الحوار، لأكتشف من خلال مشاهدة الصور أن طريقة العمل لم تكن على أساس البناء بل كانت كالزراعة. لم نكن نبني هذا المشروع كهيكل مفاهيمي بل كان أكثر عضوية كان بمثابة زراعة رؤية خضراء تحركها الفطرة أكثر من الخبرة، والتأثر بالمرئي أكثر من المفهوم أو على الأقل كان ذلك ما شعرت به حيال العمل بهذا المشروع».

0 Comments:

Post a Comment

<< Home